جميعنا درسنا ١٢ عامًا في المدرسة وثم ٤-٥ أعوام في الجامعة، لنتخرج بعدها ونصطف إلى جانب المئات أو الآلاف من الخريجين الآخرين الذين يحملون نفس الشهادات وعلى الأغلب أن لديهم نفس الاهتمامات والمهارات أو حتى الهوايات! وتتخرجون جميعكم وأنتم تحلمون بمناصب عليا في الشركات الكبرى ولكن تصطدمون جميعًا بالواقع الأليم وهو أن ما تطلبه الشركات لا تشرح عنه الجامعات لا من قريب ولا من بعيد، ومن هنا وُلدت الشهادات المهنية.

تخيّل نفسك الآن مسؤول موارد بشرية (HR) في شركة عملاقة، وعليك إيجاد موظف تدقيق داخلي لحسابات الشركة. تظنّ أنها مهمة سهلة، وتقوم بإعداد إعلان بصيغة معينة وتنشره وتبدأ باستقبال طلبات التوظيف، لتجد أن المئات قاموا بالتقدم لها، ومنهم الخريجون وأصحاب الخبرات الطويلة والشهادات العليا. ولأنك تريد الأفضل لشركتك، تقوم بالتواصل مع أطولهم خبرة وممن عملوا في التدقيق سابقًا وتدعوهم للمقابلات، لتجد بأن خبرتهم حول التدقيق تنحصر في تدقيق الفواتير، ومطابقة الميزانيات، والوارد والصادر، ولا يفقهون شيئًا في الرقابة الداخلية أو قواعد الحوكمة أو أساسيات الإدارة أو أمن المعلومات أو مخاطر الاحتيال أو تخطيط مهمات التدقيق وتنفيذها وإيصال نتائجها.

طبعًا هذه المواضيع أساسية جدًا في الشركات الكبيرة أو ما تسمى بالـ(Corporate) والتي تمتلك العديد من الفروع في نفس البلد أو حتى في عدة بلدان أخرى. ولحل هذه المشكلة، ستقوم بتعديل الإعلان ليكون "التقديم لحملة الشهادات المهنية فقط".

طبعًا بعد أن تقوم بتعديل عنوان الإعلان، ستتمكن من مقابلة حملة الشهادات المهنية فقط، وستجد بأنهم يعرفون جميع الأمور المذكورة أعلاه ولديهم مهارات عالية وخلفية قوية بطريقة عمل الشركات ومعاملاتها. ومن هنا نجد بأن الشركات التي تحتاج إلى مدقق داخلي، لن تتعب نفسها بالبحث عن محاسب لديه مهارات معينة، بل ستبحث عن حامل شهادة CIA اختصارًا للوقت والجهد. وبالتالي نجد بأن الطلب على حملة هذه الشهادات كبير وتتسابق الشركات على توظيف المتميزين منهم وتكون رواتبهم خيالية مع العديد من الحوافز وتحافظ عليهم الشركات وتدللهم لأنه يصعب استبدالهم بغيرهم.

شهادة المدقق الداخلي المعتمد أو المراجع الداخلي المعتمد أو المدقق الداخلي المجاز هي جميعها أسماء لنفس الشهادة المهنية والتي تسمى بالإنجليزية (Certified Internal Auditor) أو اختصارًا (CIA) وهي شهادة أمريكية يستطيع أي شخص تقديم امتحانها والحصول عليها مهما كان تخصصه الجامعي حتى لو كان هندسة أو لغات، مما يعني أنها ليست حصرية للمحاسبين فقط. وعند حصولك على هذه الشهادة، تصبح مؤهلًا على اقتحام عالم الشركات الكبرى والدولية ومتعددة الجنسيات بكل سهولة، فهم لا يوظفون إلا من يحملون هذه الشهادات أصلًا.

ومن يحصل على شهادة الـCIA يكون مرخصًا للعمل في مجالات التدقيق الداخلي، مثل: الحوكمة والرقابة وضبط الجودة والاستقلالية وإدارة المخاطر وتخطيط مهمات التدقيق وتنفيذها والإدارة المالية وأمن المعلومات وذكاء الأعمال وغيرها من المواضيع الهامة التي لها تطبيقات مباشرة في سوق العمل.

يقوم المعهد الأمريكي للمدققين الداخليين (IIA) بتنظيم شؤون هذه الشهادة وعضويتها وعقد الامتحانات التي تسمح بالانتساب إليها، ومن ينجح في امتحان الـCIA يصبح عضوًا في هذا المعهد العالمي ويكون قادرًا على العمل في شركات الولايات المتحدة الأمريكية أو الأردن أو دول الخليج أو أي مكان آخر في العالم.

نعم هذه الشهادة متوفرة باللغة العربية، بل أنها مطروحة بعدة لغات عالمية أيضًا. فبالنسبة للـIIA، المهم هنا هو اكتساب المهارات اللازمة وليس اللغة الإنجليزية، وبالتالي يستطيع الشخص التقديم للامتحان باللغة العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية أو حتى الصينية. كما أن لغة التقديم لا تؤثر على طبيعة الشهادة، فالجميع يصبح CIA مرخص رسميًا بغض النظر عن لغة التقديم ولن تكون هناك أي إشارة إلى لغة التقديم على الشهادة. يعني إن اجتزت الامتحان تحصل على شهادة الـCIA وتصبح مدقق داخلي معتمد وانتهى على ذلك، بدون حتى أن تعرف طريقة كتابة اسمك بالإنجليزية.